سورة الصافات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَائِكُمُ الاولين} بالنَّصبِ على البدليةِ من أحسنَ الخالقينَ. وقرئ بالرَّفعِ على الابتداءِ. والتَّعرُّضُ لذكرِ ربوبيَّتهِ تعالى لآبائهم لتأكيدِ إنكارِ تركهِم عبادته تعالى والإشعارِ ببُطلان آراءِ آبائهم أيضاً {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ} بسبب تكذيبهم ذلك {لَمُحْضَرُونَ} أي العذابَ. والإطلاقُ للاكتفاء بالقرائنِ على أنَّ الإحضارَ المطلقَ مخصوص بالشَّرِّ عُرفاً {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء من ضمير مُحضرون {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخرين سلام على إِل يَاسِين} هو لغة في الياسَ كسيناءَ في سينينَ وقيل هو جمعٌ له أُريد به هو وأتباعُه كالمهلَّبين والخُبَيبين. وفيه أنَّ العَلَم إذا جُمع يجبُ تعريفُه كالمثالينِ. وقرئ بإضافة آلِ إلى ياسينَ لأنَّهما في المصحفِ مفصولانِ فيكونُ ياسينَ أبا إلياس {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} مرَّ تفسيرُه {وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين إِذْ نجيناه} أي اذكُر وقتَ تنجيتِنا إيَّاه {وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين} أي الباقين في العذابِ أو الماضين الهالكين.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الاخرين} فإنَّ في ذلك شواهدَ على جليةِ أمرِه وكونِه من جُملةِ المُرسلين.


{وَإِنَّكُمْ} يا أهلَ مكَّة {لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على منازلهم في متاجرِكم إلى الشَّأمِ وتشاهدون آثارَ هلاكهم فإنَّ سدومَ في طريق الشَّأمِ {مُّصْبِحِينَ} داخلين في الصَّباحِ {وباليل} أي ومساء أهم نهاراً وليلاً، ولعلَّها وقعت بقرب منزلٍ يمرُّ بها المرتحلُ عنه صباحاً والقاصدُ له مساءً {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتَّى تعتبرُوا به وتخافوا أنْ يُصيبكم مثلُ ما أصابهم.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين} وقرئ بكسر النُّونِ {إِذْ أَبَقَ} أي هربَ وأصله الهربُ من السَّيدِ لكن لمَّا كان هربُه من قومه بغير إذن ربِّه حسُن إطلاقُه عليه {إِلَى الفلك المشحون} أي المملوءِ {فساهم} فقارعَ أهلَه {فَكَانَ مِنَ المدحضين} فصار من المغلوبينَ بالقُرعةِ وأصله المزلق عن مقام الظفر. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لمَّا وعدَ قومَه بالعذابِ خرجَ من بينهم قبل أنْ يأمرَه الله تعالى به فركبَ السَّفينةَ فوقفتْ فقال فيها عبدٌ آبقٌ فاقترعُوا فخرجت القُرعةُ عليه فقال: أنا الآبقُ ورَمَى بنفسه في الماءِ {فالتقمه الحوت} فابتلعه من اللُّقمةِ {وَهُوَ مُلِيمٌ} داخلٌ في المَلامةِ أو آتٍ بما يُلام عليه أو مليمٌ نفسَه. وقرئ: {مَليم} بالفتح مبنيًّا من لِيم كمَشيب في مشُوب {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} الذَّاكرينَ الله كثيراً بالتَّسبيحِ مدَّة عمره أو في بطنِ الحوت وهو قوله: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} وقيل من المصلِّين فإنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان كثيرَ الصَّلاةِ في الرَّخاءِ {لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} حيًّا وقيل ميِّتاً وفيه حثٌّ على إكثارِ الذِّكرِ وتعظيمٌ لشأنهِ ومن أقبل عليه في السَّراءِ أُخذ بيدِه عند الضَّرَّاء {فنبذناه بالعراء} بأن حملنا الحوتَ على لفظه بالمكان الخالي عمَّا يُغطِّيه من شجرٍ أو نبتٍ. رُوي أنَّ الحوتَ سار مع السَّفينةِ رافعاً رأسه يتنفسُّ فيه يونسُ عليه السلام ويسبِّحُ ولم يفارقْهم حتَّى انتهَوا إلى البرِّ فلفظَه سالماً لم يتغيَّرْ منه شيءٌ فأسلمُوا. ورُوي أنَّ الحوتَ قذفَه بساحل قريةٍ من المَوصلِ. واختُلف في مقدارِ لبثه فقيل أربعون يوماً وقيل عشرون وقيل سبعةٌ وقيل ثلاثةٌ وقيل لم يلبثْ إلا قليلاً ثم أُخرج من بطنهِ بعيد الوقتِ الذي التُقمَ فيه. رَوى عطاءٌ أنَّه حين ابتلعه أوحى اللَّهُ تعالى إلى الحوتِ إنِّي جعلتُ بطنك له سجناً ولم أجعله لك طعاماً. {وَهُوَ سَقِيمٌ} ممَّا ناله قيل صار بدنُه كبدنِ الطِّفلِ حين يُولد.


{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ} أي فوقه مظلَّة عليه {شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ} وهو كل ما ينبسطُ على الأرضِ ولا يقوم على ساقٍ كشجر البطِّيخ والقِثَّاءِ والحنظلِ وهو يَفْعيلٌ من قَطَن بالمكانِ إذا أقام به والأكثرون على أنَّه الدُّبَّاءُ غطَّته بأوراقِها عن الذُّبابِ فإنَّه لا يقعُ عليه ويدلُّ عليه أنَّه قيل لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إنَّك تحبُّ القرعَ قال: «أجلْ هي شجرةُ أخي يونس» وقيل هي التِّينُ وقيل المَوزُ تغطَّى بورقهِ واستظلَّ بأغصانهِ وأفطر على ثماره وقيل كان يستظلُّ بالشَّجرةِ وكانت وعلةٌ تختلفُ إليه فيشربُ من لبنها.
{وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ} هم قومُه الذين هرب منهم وهم أهل نَيْنَوى. والمرادُ به إرسالُه السَّابقُ أَخبر أولاً بأنَّه من المرسلين على الاطلاقِ ثم أخبرَ بأنَّه قد أُرسل إلى أمةٍ جمَّةٍ وكأنَّ توسيطَ تذكير وقت هربِه إلى الفُلكِ وما بعده بينهما لتذكير سببهِ وهو ما جرى بينه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبين قومِه من إنذاره إيَّاهم عذابَ الله تعالى وتعيينِه لوقت حلوله وتعلُّلِهم وتعليقِهم لإيمانِهم بظهور أماراتِه كما مرَّ تفصيلُه في سُورة يونسَ ليعلم أنَّ إيمانَهم الذي سيحكى بعد لم يكُن عقيبَ الإرسالِ كما هو المتبادرُ من ترتيبِ الإيمانِ عليه بالفاء بعد اللَّتيا والَّتي وقيل: هو إرسالٌ آخرُ إليهم وقيل: إلى غيرِهم وليس بظاهرٍ {أَوْ يَزِيدُونَ} أي في مَرأى النَّاظرِ فإنَّه إذا نظر إليهم قال إنَّهم مائةً ألفٍ أو يزيدون، والمرادُ هو الموصفُ بالكثرة. وقرئ بالواو {فَئَامِنُواْ} أي بعد ما شاهدُوا علائمَ حلول العذابِ إيماناً خالصاً {فمتعناهم} أي بالحيارةِ الدُّنيا {إلى حِينٍ} قدَّره الله سبحانه لهم. قيل لعلَّ عدمَ ختمِ هذه القصَّةِ وقصَّةِ لوطٍ بما خُتم به سائرُ القصصِ للتَّفرقةِ بينهما وبين أربابِ الشَّرائعِ وأُولي العزمِ من الرُّسلِ أو اكتفاءً بالتَّسليمِ الشَّاملِ لكلِّ الرُّسلِ المذكورينَ في آخرِ السُّورةِ.
{فاستفتهم} أمر الله عزَّ وجلَّ في صدر السُّورة الكريمةِ رسولَه صلى الله عليه وسلم بتبكيتِ قُريشٍ وإبطالِ مذهبِهم في إنكارِ البعثِ بطريقِ الاستفتاءِ وساقَ البراهينَ القاطعةَ النَّاطقة بتحقُّقةِ لا محالة وبيَّن وقوعَه وما سيلقَونه عند ذلك من فُنون العذابِ واستثنى منهم عبادَه المُخلَصين وفصَّل ما لهم من النَّعيمِ المقيمِ ثم ذكر أنَّه قد ضلَّ من قبلهم أكثرُ الأوَّلينَ وأنَّه تعالى أرسلَ إليهم منذرينَ على وجهِ الإجمالِ ثم أوردَ قصص كلِّ واحدٍ منهم على وجهِ التَّفصيلِ مبيِّناً في كل قصَّةِ منها أنَّهم من عبادِه تعالى واصفاً لهم تارةً بالإخلاصِ وأُخرى بالإيمانِ ثم أمره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ههنا بتبكيتِهم بطريقِ الاستفتاءِ عن وجهِ أمرٍ منكرٍ خارج عن العقول بالكلِّيةِ وهي القسمةُ الباطلةُ اللازمةُ لما كانُوا عليه من الاعتقاد الزَّائغِ حيثُ كانُوا يقولون كبعض أجناس العربِ جُهينةَ وبني سلمةَ وخُزاعةَ وبني مَليحٍ، الملائكةُ بناتُ الله والفاء لترتيب الأمرِ على ما سبق من كون أولئك الرُّسلِ الذين هم أعلامُ الخَلْقِ عليهم الصلاة والسلام عبادَه تعالى فإنَّ ذلك ممَّا يؤكِّدُ التَّبكيتَ ويُظهر بُطلانَ مذهبهم الفاسد ثم تبكيتُهم بما يتضمَّنُه كفرهم المذكورُ من الاستهانةِ بالملائكةِ يجعلهم إناثاً ثم أبطل أصلَ كفرهم المنطوي على هذينِ الكفرينِ وهو نسبةُ الولِد إليه سبحانَه وتعالى عن ذلك علوَّاً كبيراً ولم ينظمه في سلكِ التَّبكيتِ لمشاركتهم النَّصارى في ذلك أي فاستخبرْهم {أَلِرَبّكَ البنات} اللاتي هن أوضعُ الجنسينِ {وَلَهُمُ البنون} الذين هم أرفعُهما فإنَّ ذلك ممَّا لا يقولُ به من له أدنى شيءٍ من العقلِ.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10